يميل الإنسان بطبيعته إلى الاعتقاد بأنه يدرك كل ما يحتاج لمعرفته عن البشر باعتباره واحد منهم ويكون ذلك أوضح ما يكون عند التعرض لموقف معين فى تصميم المنتجات والنظم التى يتعامل معها الإنسان مباشرة، إلا أن الواقع يشير إلى أن مقدار المعرفة المتخصصة المتوفرة عن البشر فى مجال الإرجونوميكس هائلة بحيث أنه لا يوجد إنسان واحد;حتى من بين أكثر المتخصصين ومهما أوتى من علم ودراية يمكنه أن يلم بالأمر كله. ولعله من البديهى انه إذا ما نشأت مشكله تتعلق بعلوم الكيمياء أو الهندسة الالكترونية، فإن الإنسان العادى أو غير المتخصص يعترف بسرعة بقصوره (لإدراكه أن الموضوع يخرج عن نطاق المعارف العامة والبديهيات)، ويقتنع الإنسان فورا فى هذه الحالة بأن عليه ان يستدعى المتخصص سواء كان كيميائيا مهندس الالكترونيات للحصول على مساعدته . ولكن عندما تكون المشكلة متعلقة بالبشر فأن الإنسان يميل غالبا إلى استعمال رأيه الذاتي أو فى أفضل الظروف فإنه قد يستشير آراء الأفراد الآخرين من حوله بدلاً من استدعائه العالم أو المتخصص فى مثل هذه الأمور وقد يرجع ذلك فى كثير من الأحيان لأن وجود المتخصصين والعلماء فى هذا النوع من العلوم غير منتشر على نطاق واسع حتى فى أكثر بلاد العالم تقدما بالإضافة إلى اهتمام الإرجونوميكس بتوفير راحة الإنسان فأنه يهتم أيضا بدراسة الأساليب التى تضمن له الأمان فى استعماله للمنتجات والتى يكون من شأنها تجنب أسباب الحوادث وأخطاء الاستخدام الشائعة وفى كثير من الأحيان الأخطاء الناتجة عن سوء الاستخدام ، وهى الظواهر المعتادة لمشكلة قد تكون فى أمس الحاجة إلى اهتمام الإرجونوميكس ، وعندما يكون هناك خطأ ما فى العلاقة بين الإنسان وما يستخدمه من أدوات وآلات ومنتجات تكون العواقب أحيانا وخيمة وتكون تكلفه عدم اكتشاف العلاج أو الحل باهظة غالباً. ولما كانت كافة الأنشطة التصميمية ومنتجى ما يستخدمه الإنسان يسعون إلى توفير أقصى قدر من الراحة للبشر فإنه من المرجح أنه في المستقبل القريب سيستخدم الإنسان قوته العضلية بدرجه أقل وسيستخدم قدرته على تصنيف ومعالجة البيانات وصنع القرارات بشكل متزايد الأمر الذي يجعله متحكماً في مجال أوسع وأكبر مما سوف يزيد بلا شك من عواقب وتكون تكلفة عدم التوافق فى العلاقة بين البشر وما يستخدمونه بنفس القدر من الخطورة، لقد حدثت أمثلة عديدة بالفعل لمثل هذه النتائج الوخيمة فى نطاق المنتجات الحربية بوجه خاص فى الماضى ولكنها تنعكس فى الوقت الحالى وبشكل أكثر خطورة على المنتجات والأدوات الحديثة التى يستخدمها المستهلكون فى أنحاء العالم كل يوم لذا فإن الأداء المطلوب من المستعمل يتزايد فى التعقيد يوما بعد يوم. وكلما زاد قدر الجهد البدنى أو العقلى الذى يبذله المستعمل كلما زادت الحاجة إلى ضمان التوافق والتلاؤم بين الإنسان وأدواته لدرأ الخطر الناشئ عن الخطأ ولزيادة الدقة وكفاءة الأداء . ولعل هذا هو السبب الرئيسى فى احتياجنا إلى المعرفة المتخصصة فى مجال الإرجونوميكس لتحقيقالأمان والراحة فى كل ما يتناوله أو يتعامل معه الإنسان وذلك إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية فى التطوير لصالح الإنسان. والأمر سواء عند تصميم منتجات أو أدوات أو النظم الصناعية الجديدة لأول مرة، أو حتى عندما تعاد صياغتها وتطويرها لمزيد من التكيف والتلاؤم بشكل جذرى من جديد، فأنه تكون للارجونوميكس أهمية خاصة، فتكلفه الحصول على المعرفة وخاصة فى المراحل الأولية للتصميم يمكن أن تكون قليلة و غير مؤثرة فى رأس المال، ولا ينطبق هذا فحسب على المنتجات البسيطة أو الأدوات الاستهلاكية رخيصة التكلفة وإنما تنطبق هذا القاعدة بنفس الوضوح والأهمية مهما ارتفعت درجه تعقد أو ضخامة المنتج المُصمم. |