الارجونوميكس الذهنى Cognitive Ergonomics

 يوصف الارجونوميكس بأنه عملية "موائمة نظام لأنسان"، وذلك من خلال إتخاذ قرارات، ومعدات، وأدوات ، وبيئات، ومهام يمكن إختبارها وتصميمها لتلائم قدرات الأنسان، ومعوقاته الفريدة الخاصة به. من الأمثلة التقليدية لمجال الأرجونوميكس الفيزيقى Physical Ergonomics  تصميم أداء رفع lifting job ليتم على إرتفاع خصر الأنسان أو قريبًا منه، وإختيار شكل أداة يمكن أن تقلل صعوبة الوقفة، وتقلل المهام والحركات الغير ضرورية، لتزيد من الأنتاج أو/و تقلل من الأخطاء والفاقد. والأرجونوميكس الذهنى Cognitive Ergonomics (CE) من ناحية أخرى، يركز على التوائم أو الإزواج fit بين القدرات الذهنية للأنسان ومحدداتها، وبين الماكينة machine ، و المهمة task ، والبيئة environment  ، الخ. ومثلا فإن تطبيقات الأرجونوميك الذهنى تتضمن تصميم البرمجيات software لتكون سهلة الأستخدام، تصميم علامة أو إشارة يمكن لمجموع الناس فهمها والتصرف على الوجه المخطط لها، تصميم كابينة قيادة الطائرة، ونظام التحكم فى محطة نووية بحيث لايتسبب القائمين على التشغيل فى كارثة.
الأرجونوميكس الذهنى CE له أهمية خاصة فى تصميم النظم المعقدة، عالية التكنولوجيا والأوتوماتيةautomation  . التصميم الضعيف لنظام تفاعل المستعمل مع التيليفون المحمول على سبيل المثال قد لايتسبب فى حادث، ولكنه قد يتسبب فى الكثير من الأحباط على جانب المستعمل، ويقود الى فشل للمنتج فى الأسواق. وتصميم ضعيف لنظام تفاعلى  لمعدة أوتوماتية قد يؤدى الى إنخفاض الأنتاج والجودة، ويمكن حتى أن ينذر بحادثة. وتخلق النظم الأتوماتية المعقدة تحديات كبيرة بشكل مدهش للتصميم، والبحث والتحليل لما بعد الحادثة يشير الى ضرورة الأهتمام بالدور الأنسانى فى النظم الأوتوماتية. وتحتاج الأتمتة الى زيادة المراقبة للقائم بالتشغيل، ومتطلبات اليقظة والحذر، ومتطلبات إتخاذ القرارات المعقدة، وباقى الأعتبارات الأخرى التى يمكن أن تزيد من إحتمالات الأخطاء والحوادث.
هناك تأثير آخر مثير فى موضوع الأتمتة ألا وهو أن البشر قد يثقون بشكل مبالغ فيه، أو يفقدون الثقة تمامًا فى نظام اتوماتى ما. وحادث المفاعل النووى فى Three Mile Island فى الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر مثالا للثقة المبالغ فيها من الناس فى النظام؛ فإن لوحة التحكم خلال ذلك الحادث قد أشارت بأن صمام هام يعمل بشكل سليم، وقد وثق العاملون بغرفة التحكم بأن النظام يعمل بشكل سليم. أما ماحدث فى الواقع فإن الصمام لم يكن يعمل على مايرام، وعلى ذلك فقد شكل نقطة البدء فى الأنهيار الذى نتج عنه حادث مؤسف. وقد أدى الضغط الذهنى الناتج عن تداعيات الحادث فى وقته الى أن البحث سوف يلقى باللوم على القائمين على التشغيل، ألا أن هؤلاء قد تصرفوا كما يتوقع المتخصص الأرجونوميكى، ووجد أن السبب الحقيقى فى الحادث هو خطأ فى تصميم نظام التحكم الذى أعطى معلومات غير صحيحة للقائمبن على التشغيل.
ومثال مختلف على عدم الثقة فى النظام، نراه فيما حدث فى نظام الأمن يسجن النساء فى ولاية أوريجان بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تركيب نظام حديث للمراقبة. فقد تم ضبط جهاز الأنذار لينطلق عند الأحساس بأى حركة ولو طفيفة. فى الأسابيع القليلة الأولى كان الأنذار ينطلق يشكل متكرر حتى عندما يحرك الهواء أى شيىء من الطيور الى أوراق الأشجار، وقد بدأ الحراس فى التعود على ذلك الواقع حيث كان النظام غالبًا ما يعطى إنذار خاطىء. وبدأو فى إهمال تلك الأنذارات. وقد إستغلت إحدى السجينات ذلك لمصلحتها فتسلقت الأسوار لمعرفتها بأن أجهزة الأنذار سوف تعمل، ولكن الحراس سوف يتجاهلون الأنذار كما هى العادة بما يكفى لهرب السجينة. وإذا ما حدث عدم ثقة فى النظام فى شيىء آخر مهم مثل نظام إنذار بالحريق مثلا، فإن النتيجة تكون مميتة.
رغم أن متخصصى الأرجونوميكس، لحسن الحظ، مشغولون بتحسين كل تفاعلات الأنسان مع النظم، بما فيها الجوانب الذهنية، إلا أنه، لسوء الحظ، فإن العديد من الشركات، والمهندسين، والقائمين على التنظيم ، ومتخذى القرارات قد فشلوا فى إدراك أهمية العامل الأنسانى فى التصميم، وهنا فإن العديد من الأخطاء الغير ضرورى وقوعها، والحوادث، وفشل المنتج، والزيادة فى التكاليف الأدارية، وغيرها، تكون هى النتائج المتوقعة.